فصل: فصل مِقْدَارِ صلاة الخوف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل بَيَان حُكْمِ الِاسْتِخْلَاف

ِوَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الِاسْتِخْلَافِ فَحُكْمُهُ صَيْرُورَةُ الثَّانِي إمَامًا وَخُرُوجُ الْأَوَّلِ عن الْإِمَامَةِ وَصَيْرُورَتُهُ في حُكْمِ الْمُقْتَدِي بِالثَّانِي ثُمَّ إنَّمَا يَصِيرُ الثَّانِي إمَامًا وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ عن الْإِمَامَةِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ يَنْوِي صَلَاتَهُ أو بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ عن الْمَسْجِدِ حتى لو اسْتَخْلَفَ رَجُلًا وهو في الْمَسْجِدِ بَعْدُ ولم يَقُمْ الْخَلِيفَةُ مَقَامَهُ فَهُوَ على إمَامَتِهِ حتى لو جاء رَجُلٌ فَاقْتَدَى بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَوْ أَفْسَدَ الْأَوَّلُ صَلَاتَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جميعا لِأَنَّ الْأَوَّلَ كان إمَامًا وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عن الْإِمَامَةِ بِانْتِقَالِهَا إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَجْتَمِعُ عليها إمَامَانِ أو بِخُرُوجِهِ عن الْمَسْجِدِ لِفَوْتِ شَرْطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وهو اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ فإذا لم يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُ ولم يَخْرُجْ من الْمَسْجِدِ لم يَنْتَقِلْ وَالْبُقْعَةُ مُتَّحِدَةٌ فَبَقِيَ إمَامًا في نَفْسِهِ كما كان وَقَوْلُنَا يَنْوِي صَلَاةَ الْإِمَامِ حتى لو اسْتَخْلَفَ رَجُلًا جاء سَاعَتئِذٍ قبل أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَتَقَدَّمَ وَكَبَّرَ فَإِنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ وَجَازَتْ صَلَاتُهُمْ وقال بِشْرٌ لَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ بِنَاءً على أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْمُحْدِثِ عِنْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ابْتِدَاءً لِأَنَّ بَقَاءَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بَعْدَ الْحَدَثِ أَمْرٌ عُرِفَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالِابْتِدَاءُ ليس في مَعْنَى الْبَقَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ حَدَثَ الْإِمَامِ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ في الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ فيها فَيُمْنَعُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَيْضًا ابْتِدَاءً‏.‏

وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا كَبَّرَ وَنَوَى الدُّخُولَ في صَلَاةِ الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ بَعْدُ في الْمَسْجِدِ وَحُرْمَةُ صَلَاتِهِ بَاقِيَةٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَبَقِيَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ بَعْدَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ على الِاسْتِخْلَافِ أَيْ صَارَ الثَّانِي بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ خَلِيفَةَ الْأَوَّلِ بِالِاسْتِخْلَافِ السَّابِقِ فَصَارَ مُسْتَخْلِفًا من كان مُقْتَدِيًا بِهِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كان مَسْبُوقًا لِمَا مَرَّ وَإِنْ كَبَّرَ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً ‏(‏ولم ينو الاقتداء بالأول لم يصح استخلافه لأنه نوى الصلاة المستقلة‏)‏ لم يَصِرْ مُقْتَدِيًا بالأول ‏[‏بالإمام‏]‏ الْأَوَّلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ اسْتَخْلَفَ من ليس بِمُقْتَدٍ بِهِ فلم يَصِحَّ الِاسْتِخْلَافُ‏.‏

وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ أَمْرٌ جُوِّزَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى عَيْنُ ما وَرَدَ فيه النَّصُّ وَالنَّصُّ وَرَدَ في اسْتِخْلَافِ من هو مُقْتَدٍ بِهِ فَبَقِيَ غَيْرُ ذلك على أَصْلِ الْقِيَاسِ وَصَلَاةُ هذا الثَّانِي صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ افْتَتَحَهَا مُنْفَرِدًا بها وَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ جَائِزَةٌ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لم يَصِحَّ اسْتِخْلَافُ الثَّانِي بَقِيَ الْأَوَّلُ إمَامًا لهم وقد خَرَجَ من الْمَسْجِدِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا صَلَّوْا خَلْفَ الْإِمَامِ الثَّانِي صَلَّوْا خَلْفَ من ليس بِإِمَامٍ لهم وَتَرَكُوا الصَّلَاةَ خَلْفَ من هو إمَامُهُمْ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُهُمْ إتْمَامُهَا مُقْتَدِينَ بِالثَّانِي لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُؤَدَّى بِإِمَامَيْنِ بِخِلَافِ خَلِيفَةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قام مَقَامَ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ هو بِعَيْنِهِ فَكَانَ الْإِمَامُ وَاحِدًا مَعْنًى وَإِنْ كان مُثَنًّى صُورَةً وَهَهُنَا الثَّانِي ليس بِخَلِيفَةٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لم يَقْتَدِ بِهِ قَطُّ فَكَانَ هذا أَدَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ خَلْفَ إمَامَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فلم يَتَعَرَّضْ لها في الْكتاب وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فيها قال بَعْضُهُمْ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ اقْتَدَى بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِمَنْ ليس معه في الصَّلَاةِ يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وقال بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ خَرَجَ من الْمَسْجِدِ من غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وقد ذُكِرَ في الْعُيُونِ لو أَنَّ إمَامًا أَحْدَثَ وَقَدَّمَ رَجُلًا من آخِرِ الصُّفُوفِ ثُمَّ خَرَجَ من الْمَسْجِدِ فَإِنْ نَوَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ إمَامًا من سَاعَتِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَصَارَ الْأَوَّلُ كَوَاحِدٍ من الْقَوْمِ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قام مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ إذَا خَرَجَ الْأَوَّلُ قبل أَنْ يَصِلَ الثَّانِي إلَى مَقَامِهِ وَلَوْ قام الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ قبل خُرُوجِهِ من الْمَسْجِدِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ والله الموفق‏.‏

وَمِنْهَا أَيْ من مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ الْكَلَامُ عَمْدًا أو سَهْوًا وقال الشَّافِعِيُّ كَلَامُ النَّاسِي لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إذَا كان قَلِيلًا وَلَهُ في الْكَثِيرِ قَوْلَانِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال صلى بِنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ فَسَلَّمَ على رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَخَرَجَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ له ذُو الْيَدَيْنِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نسيتها» ‏[‏نسيت‏]‏ فقال كُلُّ ذلك لم يَكُنْ فقال وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لقد كان بَعْضُ ذلك ثُمَّ أَقْبَلَ على الْقَوْمِ وَفِيهِمْ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي اللَّهُ عنهما فقال أصدق ما يقول ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَا نعم صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ وَصَلَّى الْبَاقِيَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فَالنبي صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمَ نَاسِيًا فإن عِنْدَهُ أَنَّهُ كان أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَذُو الْيَدَيْنِ تَكَلَّمَ نَاسِيًا فإنه زَعَمَ أَنَّ الصَّلَاةَ قد قَصُرَتْ وَرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ ولم يَأْمُرْ ذَا الْيَدَيْنِ وَلَا أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ بِالِاسْتِقْبَالِ وَرُوِيَ عنه أَنَّهُ قال رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه وَلِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِي بِمَنْزِلَةِ سَلَامِ النَّاسِي وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كان كَلَامًا لِأَنَّهُ خِطَابُ الْآدَمِيِّينَ وَلِهَذَا يُخْرِجُ عَمْدُهُ من الصَّلَاةِ كذا هذا وَلَنَا ما رَوَيْنَا من حديث الْبِنَاءِ وهو قَوْلُهُ وَلْيَبْنِ على صَلَاتِهِ ما لم يَتَكَلَّمْ جَوَّزَ الْبِنَاءَ إلَى غَايَةِ التَّكَلُّمِ فَيَقْضِي انْتِهَاءُ الْجَوَازِ بِالتَّكَلُّمِ وَرُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال خَرَجْنَا إلَى الْحَبَشَةِ وَبَعْضُنَا يُسَلِّمُ على بَعْضٍ في صَلَاتِهِ فلما قَدِمْتُ رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الصَّلَاةِ فَسَلَّمْتُ عليه فلم يَرُدَّ عَلَيَّ فَأَخَذَنِي ما قَدُمَ وما حَدَثَ فلما سَلَّمَ قال يا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ من أَمْرِهِ ما يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ في الصَّلَاةِ‏.‏

وَرُوِيَ عن مُعَاوِيَةَ بن الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ أَنَّهُ قال صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَطَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ فقلت يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي بَعْضُ الْقَوْمِ بابصَارِهِمْ فقلت وَاثُكْلَ أُمَّاهُ مالي أَرَاكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ شَزْرًا فَضَرَبُوا أَيْدِيَهُمْ على أَفْخَاذِهِمْ فَعَلِمْتُ أَنَّهُمْ يُسْكِتُونَنِي فلما فَرَغَ النبي صلى الله عليه وسلم دَعَانِي فَوَاَللَّهِ ما رأيت مُعَلِّمًا أَحْسَنَ تَعْلِيمًا منه ما نَهَرَنِي وَلَا زَجَرَنِي وَلَكِنْ قال إنَّ صَلَاتَنَا هذه لَا يَصْلُحُ فيها شَيْءٌ من كَلَامِ الناس إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وما لَا يَصْلُحُ في الصَّلَاةِ فَمُبَاشَرَتُهُ مفسد ‏[‏مفسدة‏]‏ لِلصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذلك وَلِهَذَا لو كَثُرَ كان مُفْسِدًا وَلَوْ كان النِّسْيَانُ فيها عُذْرًا لَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْأَكْلِ في باب الصَّوْمِ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَحْمُولٌ على الْحَالَةِ التي كان يُبَاحُ فيها التَّكَلُّمُ في الصَّلَاةِ وَهِيَ ابْتِدَاءُ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَكَلَّمُوا في الصَّلَاةِ عَامِدِينَ ولم يَأْمُرْهُمْ بِالِاسْتِقْبَالِ مع أَنَّ الْكَلَامَ الْعَمْدَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالرَّفْعُ الْمَذْكُورُ في الحديث مَحْمُولٌ على رَفْعِ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِسَلَامِ النَّاسِي غَيْرُ سَدِيدٍ فإن الصَّلَاةَ تَبْقَى مع سَلَامِ الْعَمْدِ في الْجُمْلَةِ وهو قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالنِّسْيَانُ دُونَ الْعَمْدِ فَجَازَ أَنْ تَبْقَى مع النِّسْيَانِ في كل الْأَحْوَالِ وَفِقْهُهُ أَنَّ السَّلَامَ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُضَادٍّ لِلصَّلَاةِ لِمَا فيه من مَعْنَى الدُّعَاءِ إلَّا أَنَّهُ إذَا قُصِدَ بِهِ الْخُرُوجُ في أَوَانِ الْخُرُوجِ جُعِلَ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ شَرْعًا فإذا كان نَاسِيًا وَبَقِيَ عليه شَيْءٌ من الصَّلَاةِ لم يَكُنْ السَّلَامُ مَوْجُودًا في أَوَانِهِ فلم يُجْعَلْ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ لأنه ‏[‏فإنه‏]‏ مُضَادٌّ لِلصَّلَاةِ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ في أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ يَغْلِبُ وُجُودُهُ فَلَوْ حَكَمْنَا بِخُرُوجِهِ عن الصَّلَاةِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمَّا الْكَلَامُ فَلَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ نَاسِيًا فَلَوْ جَعَلْنَاهُ قَاطِعًا للصلاة لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَبَطَلَ الِاعْتِبَارُ وَالله أعلم‏.‏

وَالنَّفْخُ الْمَسْمُوعُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ النَّفْخَ على ضَرْبَيْنِ مَسْمُوعٍ وَغَيْرِ مَسْمُوعٍ وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ منه لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ليس بِكَلَامٍ مَعْهُودٍ وهو الصَّوْتُ الْمَنْظُومُ الْمَسْمُوعُ وَلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا مَرَّ أَنْ إدْخَالَ ما ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ في الصَّلَاةِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كان قَلِيلًا فَأَمَّا الْمَسْمُوعُ منه فإنه يُفْسِدُ الصَّلَاةَ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أو لم يُرِدْ وكان أبو يُوسُفَ يقول أَوَّلًا إنْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ بِأَنْ قال أوف ‏[‏أف‏]‏ أو تُفٍّ على وَجْهِ الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ وَتَبْعِيدُهُ يُفْسِدُ وَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ التَّأْفِيفَ لَا يُفْسِدُ ثُمَّ رَجَعَ وقال لَا يُفْسِدُ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أو لم يُرِدْ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ كان من كَلَامِ الناس لِدَلَالَتِهِ على الضَّمِيرِ فَيُفْسِدُ وإذا لم يُرِدْ بِهِ التَّأْفِيفَ لم يَكُنْ من كَلَامِ الناس لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ على الضَّمِيرِ فَلَا يُفْسِدُ كَالتَّنَحْنُحِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ ليس من كَلَامِ الناس في الْوَضْعِ فَلَا يَصِيرُ من كَلَامِهِمْ بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَلِأَنَّ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ هَهُنَا من الزَّوَائِدِ التي يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ الْيَوْمَ تَنْسَاهُ وَالْحَرْفُ الزَّائِدِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ يبقى ‏[‏بقي‏]‏ حَرْفٌ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ ليس بِكَلَامٍ حتى لو كانت ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ أَصْلِيَّةٍ أو زَائِدَةٍ أو كَانَا حَرْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَلَامَ في الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْحُرُوفِ الْمَنْظُومَةِ الْمَسْمُوعَةِ وَأَدْنَى ما يَحْصُلُ بِهِ انْتِظَامُ الْحُرُوفِ حَرْفَانِ وقد وُجِدَ في التَّأْفِيفِ وَلَيْسَ من شَرْطِ كَوْنِ الْحُرُوفِ الْمَنْظُومَةِ كَلَامًا في الْعُرْفِ أَنْ تَكُونَ مَفْهُومَةَ الْمَعْنَى‏.‏

فإن الْكَلَامَ الْعَرَبِيَّ نَوْعَانِ مُهْمَلٌ وَمُسْتَعْمَلٌ وَلِهَذَا لو تَكَلَّمَ بِالْمُهْمَلَاتِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مع ما أَنَّ التَّأْفِيفَ مَفْهُومُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ وُضِعَ في اللُّغَةِ لِلتَّبْعِيدِ على طَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ حتى حُرِّمَ اسْتِعْمَالُ هذا اللَّفْظِ في حَقِّ الْأَبَوَيْنِ احْتِرَامًا لَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ‏}‏ وَهَذَا النَّصُّ من أَقْوَى الْحُجَجِ لَهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى التَّأْفِيفَ قَوْلًا فَدَلَّ أَنَّهُ كَلَامٌ وَالدَّلِيلُ على أَنَّ النَّفْخَ كَلَامٌ ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لِغُلَامٍ يُقَالُ له رَبَاحٌ حين مَرَّ بِهِ وهو يَنْفُخُ التُّرَابَ من مَوْضِعِ سُجُودِهِ في صَلَاتِهِ لَا تَنْفُخْ فإن النَّفْخَ كَلَامٌ وفي رواية‏:‏ أَمَا عَلِمْت أَنَّ من نَفَخَ في صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ وَهَذَا نَصٌّ في الْباب وَأَمَّا التَّنَحْنُحُ عن عُذْرٍ فإنه لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا من غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه على قَوْلِهِمَا قال بَعْضُهُمْ يُفْسِدُ لِوُجُودِ الْحَرْفَيْنِ من حُرُوفِ الهجاء ‏[‏الهاء‏]‏ وقال بَعْضُهُمْ إنْ تَنَحْنَحَ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ لَا يُفْسِدُ لِأَنَّ ذلك سَعْيٌ في أَدَاءِ الرُّكْنِ وهو الْقِرَاءَةُ على وَصْفِ الْكَمَالِ‏.‏

وَرَوَى إمَامُ الْهُدَى الشَّيْخُ أبو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ عن الشَّيْخِ أبي بَكْرٍ الْجُوزَجَانِيِّ صَاحِبِ أبي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ أَنَّهُ قال إذَا قال أَخَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ له هِجَاءً وَيُسْمَعُ فَهُوَ كَالنَّفْخِ الْمَسْمُوعِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ ما ذَكَرَهُ أبو يُوسُفَ من الْمَعْنَى غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ قَوْلًا وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُرُوفَ الْمَنْظُومَةَ الْمَسْمُوعَةَ كَافِيَةٌ لِلْفَسَادِ وَإِنْ لم يَكُنْ لها مَعْنًى مَفْهُومًا كما لو تَكَلَّمَ بِمُهْمَلٍ كَثُرَتْ حُرُوفُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إن أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ من الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ فَنَعَمْ هو من جِنْسِ الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ لَكِنَّهُ من هذه الْكَلِمَةِ ليس هو بِزَائِدٍ وَإِلْحَاقُ ما هو من جِنْسِ الْحُرُوفِ الزَّوَائِدِ من كَلِمَةٍ ليس هو فيها زَائِدًا بِالزَّوَائِدِ مُحَالٌ وَكَذَا قَوْلُهُ بِامْتِنَاعِ التَّغَيُّرِ بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ أَنَّ من قال لَا يَبْعَثُ اللَّهُ من يَمُوتُ وَأَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُثَابُ عليه وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِنْكَارَ لِلْبَعْثِ يَكْفُرُ فَدَلَّ أَنَّ ما ليس من كَلَامِ الناس في الْوَضْعِ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ من كَلَامِهِمْ بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَلَوْ أَنَّ في صَلَاتِهِ أو بَكَى فارتفع ‏[‏وارتفع‏]‏ بُكَاؤُهُ فَإِنْ كان ذلك من ذِكْرِ الْجَنَّةِ أو النَّارِ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كان من وَجَعٍ أو مُصِيبَةٍ يُفْسِدُهَا لِأَنَّ الْأَنِينَ أو الْبُكَاءَ من ذِكْرِ الْجَنَّةِ أو ‏[‏والنار‏]‏ النار يَكُونُ لِخَوْفِ عَذَابِ اللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ وَرَجَاءِ ثَوَابِهِ فَيَكُونُ عِبَادَةً خَالِصَةً وَلِهَذَا مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلَهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالتَّأَوُّهِ فقال‏:‏ ‏{‏إنَّ إبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ‏}‏‏.‏

وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ‏:‏ ‏{‏إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ‏}‏ لِأَنَّهُ كان كَثِيرَ التَّأَوُّهِ في الصَّلَاةِ وكان لِجَوْفِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أزيز كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ في الصَّلَاةِ وإذا كان كَذَلِكَ فَالصَّوْتُ الْمُنْبَعِثُ عن مِثْلِ هذا الْأَنِينِ لَا يَكُونُ من كَلَامِ الناس فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَلِأَنَّ التَّأَوُّهَ وَالْبُكَاءَ من ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِمَسْأَلَةِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ من النَّارِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ كَذَا هذا وإذا كان ذلك من وَجَعٍ أو مُصِيبَةٍ كان من كَلَامِ الناس وهو ‏[‏وكلام‏]‏ مُفْسِدٌ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ قال إذَا قال آهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كان من وَجَعٍ أو مُصِيبَةٍ وإذا قال أَوْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ليس من قَبِيلِ الْكَلَامِ بَلْ هو بسبب ‏[‏شبيه‏]‏ بِالتَّنَحْنُحِ وَالتَّنَفُّسِ وَالثَّانِيَ من قَبِيلِ الْكَلَامِ وَالْجَوَابُ ما ذَكَرْنَا وَلَوْ عَطَسَ رَجُلٌ فقال له رَجُلٌ في الصَّلَاةِ يَرْحَمُك اللَّهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ من كَلَامِ الناس لِمَا رَوَيْنَا من حديث مُعَاوِيَةَ بن الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ وَلِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْعَاطِسِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ وَكَلَامُ الناس مُفْسِدٌ بِالنَّصِّ وَإِنْ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ أو أُخْبِرَ بِمَا يَتَعَجَّبُ منه فقال سُبْحَانَ اللَّهِ فَإِنْ لم يُرِدْ جَوَابَ الْمُخْبِرِ لم تُقْطَعْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابَهُ قَطَعَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ لَا يَقْطَعُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْفَسَادَ لو فَسَدَتْ إنَّمَا تَفْسُدُ بِالصِّيغَةِ أو بِالنِّيَّةِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ الْأَذْكَارِ وَلَا وَجْهَ لِلثَّانِي لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَلَهُمَا أَنَّ هذا اللَّفْظَ لَمَّا اُسْتُعْمِلَ في مَحَلِّ الْجَوَابِ وَفُهِمَ منه ذلك صَارَ من هذا الْوَجْهِ من كَلَامِ الناس وَإِنْ لم يَصِرْ من حَيْثُ الصِّيغَةُ وَمِثْلُ هذا جَائِزٌ كَمَنَ قال لِرَجُلٍ اسْمِهِ يحيى وَبَيْنَ يَدَيْهِ كتاب مَوْضُوعٌ‏:‏ ‏{‏يا يحيى خُذْ الْكتاب بِقُوَّةٍ‏}‏ وَأَرَادَ بِهِ الْخِطَابَ بِذَلِكَ لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَنَّهُ يُعَدُّ مُتَكَلِّمًا لَا قَارِئًا وَكَذَا إذَا قِيلَ لِلْمُصَلِّي بِأَيِّ مَوْضِعٍ مَرَرْتَ فقال‏:‏ ‏{‏وبئر ‏[‏بئر‏]‏ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ وَأَرَادَ بِهِ جَوَابَ الْخِطَابِ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هذا وَكَذَلِكَ إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يسوؤه ‏[‏يسوءه‏]‏ فَاسْتَرْجَعَ لِذَلِكَ فَإِنْ لم يُرِدْ بِهِ جَوَابَهُ لم يَقْطَعْ صَلَاتَهُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ قَطَعَ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَوَابِ في اسْتِرْجَاعِهِ أَعِينُونِي فَإِنِّي مُصَابٌ ولم يُذْكَرْ خِلَافُ أبي يُوسُفَ في مَسْأَلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ في الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ على الِاخْتِلَافِ وَمَنْ سَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فقال الِاسْتِرْجَاعُ إظْهَارُ الْمُصِيبَةِ وما شُرِعَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ فَأَمَّا التَّحْمِيدُ فَإِظْهَارُ الشُّكْرِ وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ وَلَوْ مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةٍ فيها ذِكْرُ الْجَنَّةِ فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ أو بِآيَةٍ فيها ذِكْرُ النَّارِ فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ من النَّارِ فَإِنْ كان في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَهُوَ حَسَنٌ إذَا كان وَحْدَهُ لِمَا رُوِيَ عن حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ في صَلَاةِ اللَّيْلِ فما مَرَّ بِآيَةٍ فيها ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى وما مَرَّ بِآيَةٍ فيها ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ وما مَرَّ بِآيَةٍ فيها مَثَلٌ إلَّا وَقَفَ وَتَفَكَّرَ وَأَمَّا الْإِمَامُ في الْفَرَائِضِ فَيُكْرَهُ له ذلك لِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَفْعَلْهُ في الْمَكْتُوبَاتِ وَكَذَا الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هذا فَكَانَ من الْمُحْدَثَاتِ وَلِأَنَّهُ يَثْقُلُ على الْقَوْمِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ في خُشُوعِهِ وَالْخُشُوعُ زِينَةُ الصَّلَاةِ وَكَذَا الْمَأْمُومُ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا له وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ وَلَوْ اسْتَأْذَنَ على الْمُصَلِّي إنْسَانٌ فَسَبَّحَ وَأَرَادَ بِهِ إعْلَامَهُ أَنَّهُ في الصَّلَاةِ لم يَقْطَعْ صَلَاتَهُ لِمَا رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال كان لي من رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَدْخَلَانِ في كل يَوْمٍ بِأَيِّهِمَا شِئْتُ دَخَلْتُ فَكُنْتُ إذَا أُتِيتُ الْباب فَإِنْ لم يَكُنْ في الصَّلَاةِ فَتَحَ الْباب فَدَخَلْتُ وَإِنْ كان في الصَّلَاةِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَانْصَرَفْتُ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِصِيَانَةِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لو لم يَفْعَلْ رُبَّمَا يُلِحُّ الْمُسْتَأْذِنُ حتى يبتلي هو بِالْغَلَطِ في الْقِرَاءَةِ فَكَانَ الْقَصْدُ بِهِ صِيَانَةَ صَلَاتِهِ فلم تَفْسُدْ وَكَذَا إذَا عَرَضَ لِلْإِمَامِ شَيْءٌ فَسَبَّحَ الْمَأْمُومُ لا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ إصْلَاحُ الصَّلَاةِ فَسَقَطَ حُكْمُ الْكَلَامِ عنه لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِصْلَاحِ وَلَا يُسَبِّحُ الْإِمَامُ إذَا قام إلَى الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له الرُّجُوعُ إذَا كان إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ فلم يَكُنْ التَّسْبِيحُ مُفِيدًا‏.‏

وَلَوْ فَتَحَ على الْمُصَلِّي إنْسَانٌ فَهَذَا على وَجْهَيْنِ إمَّا إن كان الْفَاتِحُ هو الْمُقْتَدِيَ بِهِ أو غَيْرَهُ فَإِنْ كان غَيْرَهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُصَلِّي سَوَاءٌ كان الْفَاتِحُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أو في صَلَاةٍ أُخْرَى غَيْرِ صَلَاةِ الْمُصَلِّي وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْفَاتِحِ أَيْضًا إنْ كان هو في الصَّلَاةِ لِأَنَّ ذلك تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فإن القارىء إذَا اسْتَفْتَحَ غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُ يقول مَاذَا بَعْدَ ما قَرَأْتَ فَذَكِّرْنِي وَالْفَاتِحُ بِالْفَتْحِ كَأَنَّهُ يقول بعدما قَرَأْتَ كَذَا فَخُذْ مِنِّي وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا يُشْكِلُ في فَسَادِ الصَّلَاةِ فَكَذَا هذا وَكَذَا الْمُصَلِّي إذَا فَتَحَ على غَيْرِ الْمُصَلِّي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ التَّعْلِيمِ في الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ فَتْحَهُ بَعْدَ اسْتِفْتَاحِهِ جَوَابٌ وهو من كَلَامِ الناس فَيُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كان مَرَّةً وَاحِدَةً هذا إذَا فَتَحَ على الْمُصَلِّي عن اسْتِفْتَاحٍ‏.‏

فَأَمَّا إذَا فَتَحَ عليه من غَيْرِ اسْتِفْتَاحٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةِ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ عِنْدَ التَّكْرَارِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِخِطَابٍ لِأَحَدٍ فَقَلِيلُهُ يُورِثُ الْكَرَاهَةَ وَكَثِيرُهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَإِنْ كان الْفَاتِحُ هو الْمُقْتَدِيَ بِهِ فَالْقِيَاسُ هو فَسَادُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ الْمُؤْمِنُونَ فَتَرَكَ حَرْفًا فلما فَرَغَ قال أَلَم يَكُنْ فِيكُمْ أُبَيٌّ قال نعم يا رَسُولَ اللَّه قال هَلَّا فَتَحْتَ عَلَيَّ فقال ظَنَنْتُ أنها نُسِخَتْ فقال لو نُسِخَتْ لَأَنْبَأْتُكُمْ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال إذَا اسْتَطْعَمَكَ الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ في صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فلم يَتَذَكَّرْ سُورَةً فقال نَافِعٌ‏:‏ ‏{‏إذَا زُلْزِلَتْ‏}‏ فَقَرَأَهَا وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ مُضْطَرٌّ إلَى ذلك لِصِيَانَةِ صَلَاتِهِ عن الْفَسَادِ عِنْدَ تَرْكِ الْإِمَامِ الْمُجَاوَزَةَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى أو الِانْتِقَالِ إلَى الرُّكُوعِ حتى أنه لو فَتَحَ على الْإِمَامِ بَعْدَ ما انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ إنْ أَخَذَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَإِنْ لم يَأْخُذْهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْفَاتِحِ خَاصَّةً لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ وَلَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَحُوجَهُمْ إلَى ذلك بَلْ يَرْكَعُ أو يَتَجَاوَزُ إلَى آيَةٍ أو سُورَةٍ أُخْرَى فَإِنْ لم يَفْعَلْ الْإِمَامُ ذلك وَخَافَ الْمُقْتَدِي أَنْ يُجْرِيَ على لِسَانِهِ ما يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَحِينَئِذٍ يَفْتَحُ عليه لِقَوْلِ عَلِيٍّ إذَا اسْتَطْعَمَكَ الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ وهو مُلِيمٌ أَيْ مُسْتَحِقُّ الْمَلَامَةِ لِأَنَّهُ أَحْوَجَ الْمُقْتَدِي وَاضْطَرَّهُ إلَى ذلك وقد قال بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَنْوِيَ بِالْفَتْحِ على إمَامِهِ التِّلَاوَةَ وهو غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ مَنْهِيٌّ عنها عِنْدَنَا وَالْفَتْحُ على الْإِمَامِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عنه فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ ما رُخِّصَ له فيه بِنِيَّةِ ما هو مَنْهِيٌّ عنه وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هذا فيما إذَا أراد الْفَتْحُ على غَيْرِ إمَامِهِ فَعِنْدَ ذلك يَنْبَغِي له أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ وَلَا يَضُرُّهُ ذلك وَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي من الْمُصْحَفِ فصلاتُهُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَامَّةٌ وَيُكْرَهُ وقال الشَّافِعِيُّ لَا يُكْرَهُ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ مَوْلًى لِعَائِشَةَ يُقَالُ له ذَكْوَانُ كان يَؤُمُّ الناس في رَمَضَانَ وكان يَقْرَأُ من الْمُصْحَفِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ في الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ وَالْقِرَاءَةُ عِبَادَةٌ وَانْضِمَامُ الْعِبَادَةِ إلَى الْعِبَادَةِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكتاب وَالشَّافِعِيُّ يقول ما نُهِينَا عن التَّشَبُّهِ بِهِمْ في كل شَيْءٍ فَإِنَّا نَأْكُلُ ما يَأْكُلُونَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ طَرِيقَتَانِ إحدهما ‏[‏إحداهما‏]‏ أَنَّ ما يُوجَدُ من حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَتَقْلِيبِ الْأَوْرَاقِ وَالنَّظَرِ فيه أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا في الصَّلَاةِ فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَقِيَاسُ هذه الطَّرِيقَةِ أن لو كان الْمُصْحَفُ مَوْضُوعًا بين يَدَيْهِ وَيَقْرَأُ منه من غَيْرِ حَمْلٍ وَتَقْلِيبِ الْأَوْرَاقِ أو قَرَأَ ما هو مَكْتُوبٌ على الْمِحْرَابِ من الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ وهو الْعَمَلُ الْكَثِيرُ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ هذا يُلَقَّنُ من الْمُصْحَفِ فَيَكُونُ تَعَلُّمًا منه أَلَا تَرَى أَنَّ من يَأْخُذُ من الْمُصْحَفِ يُسَمَّى مُتَعَلِّمًا فَصَارَ كما لو تَعَلَّمَ من مُعَلِّمٍ وَذَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كذا هذا وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَا تُوجِبُ الْفصل بين ما إذَا كان حَامِلًا لِلْمُصْحَفِ مُقَلِّبًا لِلْأَوْرَاقِ وَبَيْنَ ما إذَا كان مَوْضُوعًا بين يَدَيْهِ وَلَا يُقَلِّبُ الْأَوْرَاقَ وَأَمَّا حَدِيثُ ذَكْوَانَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَائِشَةَ وَمَنْ كان من أَهْلِ الْفَتْوَى من الصَّحَابَةِ لم يَعْلَمُوا بِذَلِكَ وَهَذَا هو الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ أَنَّ هذا الصَّنِيعَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ عَلِمُوا به ‏[‏بذلك‏]‏ لَمَا مَكَّنُوهُ من عَمَلِ الْمَكْرُوهِ في جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ من غَيْرِ حَاجَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الرَّاوِي كان يَؤُمُّ الناس في رَمَضَانَ وكان يَقْرَأُ من الْمُصْحَفِ إخْبَارًا عن حَالَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَيْ كان يَؤُمُّ الناس في رَمَضَانَ وكان يَقْرَأُ من الْمُصْحَفِ في غَيْرِ حَالَةِ الصَّلَاةِ إشْعَارًا منه أَنَّهُ لم يَكُنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ فَكَانَ يَؤُمُّ بِبَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ دُونَ أَنْ يَخْتِمَ أو كان يَسْتَظْهِرُ كُلَّ يَوْمٍ وِرْدَ كل لَيْلَةٍ لِيُعْلَمَ أَنَّ قِرَاءَةَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ في قِيَامِ رَمَضَانَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَلَوْ دَعَا في صَلَاتِهِ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى شيئا فَإِنْ دَعَا بِمَا في الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ليس من كَلَامِ الناس وَكَذَا لو دَعَا بِمَا يُشْبِهُ ما في الْقُرْآنِ وهو كُلُّ دُعَاءٍ يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ من الناس لِمَا قُلْنَا وَلَوْ دَعَا بِمَا لَا يستحيل ‏[‏يمتنع‏]‏ سُؤَالُهُ من الناس تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا نَحْوِ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي دِرْهَمًا وَزَوِّجْنِي فُلَانَةَ وَأَلْبِسْنِي ثَوْبًا وَأَشْبَاهِ ذلك وقال الشَّافِعِيُّ إذَا دَعَا في صَلَاةٍ بِمَا يُبَاحُ له أَنْ يَدْعُوَ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلُوا اللَّهَ من فَضْلِهِ‏}‏ وَقَوْلِهِ سَلُوا اللَّهَ حَوَائِجَكُمْ حتى الشِّسْعَ لِنِعَالِكُمْ وَالْمِلْحَ لِقُدُورِكُمْ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كان يَقْنُتُ في صَلَاةِ الْفَجْرِ يَدْعُو على من نَاوَأَهُ أَيْ عَادَاهُ وَلَنَا أَنَّ ما يَجُوزُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهِ الْعَبْدُ فَهُوَ من كَلَامِ الناس وَضْعًا ولم يَخْلُصْ دُعَاءً وقد جَرَى الْخِطَابُ فِيمَا بين الْعِبَادِ بِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَسْأَلُ بَعْضًا ذلك فيقول أَعْطِنِي دِرْهَمًا أو زَوِّجْنِي امْرَأَةً وَكَلَامُ الناس مُفْسِدٌ وَلِهَذَا عَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ ‏(‏كَلَامًا‏)‏ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ في ذلك الحديث لَمَّا خَاطَبَ الْآدَمِيَّ بِهِ وَقَصَدَ قَضَاءَ حَقِّهِ وَإِنْ كان دُعَاءً صِيغَةً وَهَذَا صِيغَتُهُ من كَلَامِ الناس وَإِنْ خَاطَبَ اللَّهَ تَعَالَى فَكَانَ مُفْسِدًا بِصِيغَتِهِ وَالْكتاب وَالسَّنَةُ مَحْمُولَانِ على دُعَاءٍ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الناس أو على خَارِجِ الصَّلَاةِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فلم يُسَوِّغُوا له ذلك الِاجْتِهَادَ حتى كَتَبَ إلَيْهِ أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَمَّا بَعْدُ فإذا أَتَاكَ كتابي ‏(‏هذا‏)‏ فَأَعِدْ صَلَاتَكَ وَذَكَرَ في الْأَصْلِ أَرَأَيْتَ لو أَنْشَدَ شِعْرًا أَمَا كان مُفْسِدًا لِصَلَاتِهِ وَمِنْ الشِّعْرِ ما هو ذكرا لله تَعَالَى كما قال الشَّاعِرُ‏:‏

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ ***

وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ على الْمُصَلِّي وَلَا لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرُدَّ سَلَامَهُ بِإِشَارَةٍ وَلَا غير ذلك أَمَّا السَّلَامُ فَلِأَنَّهُ يَشْغَلُ قَلْبَ الْمُصَلِّي عن صَلَاتِهِ فَيَصِيرُ مَانِعًا له عن الْخَيْرِ وَإِنَّهُ مَذْمُومٌ وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ بِالْقَوْلِ وَالْإِشَارَةِ فَلِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ من جُمْلَةِ كَلَامِ الناس لِمَا رَوَيْنَا من حديث عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قال فَسَلَّمْتُ عليه فلم يَرُدَّ عَلَيَّ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الرَّدِّ وَلِأَنَّ في الْإِشَارَةِ تَرْكَ سُنَّةِ الْيَدِ وَهِيَ الْكَفُّ لِقَوْلِهِ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ في الصَّلَاةِ غير أَنَّهُ إذَا رَدَّ بِالْقَوْلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَلَوْ رَدَّ بِالْإِشَارَةِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَكِنْ يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَمِنْهَا السَّلَامُ مُتَعَمِّدًا وهو سَلَامُ الْخُرُوجِ من الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْخُرُوجَ من الصَّلَاةِ صَارَ من كَلَامِ الناس لِأَنَّهُ خَاطَبَهُمْ بِهِ وَكَلَامُ الناس مُفْسِدٌ وَمِنْهَا الْقَهْقَهَةُ عَامِدًا كان أو نَاسِيًا لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ في الصَّلَاةِ أَفْحَشُ من الْكَلَامِ أَلَا تَرَى أنها تنقض ‏[‏تنتقض‏]‏ الْوُضُوءَ وَالْكَلَامُ لَا يَنْقُضُ ثُمَّ لَمَّا جُعِلَ الْكَلَامُ قَاطِعًا لِلصَّلَاةِ ولم يَفصل فيه بين الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ فَالْقَهْقَهَةُ أَوْلَى وَمِنْهَا الْخُرُوجُ عن الْمَسْجِدِ من غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ حالة ‏[‏حال‏]‏ الِاخْتِيَارِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ هذا كُلُّهُ من الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامُ وَالسَّلَامُ وَالْقَهْقَهَةُ وَالْخُرُوجُ من الْمَسْجِدِ إذَا فَعَلَ شيئا من ذلك قبل أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وأما إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ فَعَلَ شيئا من ذلك فَقَدْ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا على أَنَّهُ لو تَكَلَّمَ أو خَرَجَ من الْمَسْجِدِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كان مُنْفَرِدًا أو إمَامًا خَلْفَهُ لَاحِقُونَ أو مَسْبُوقُونَ وَسَوَاءٌ أَدْرَكَ اللَّاحِقُونَ الْإِمَامَ في صلاتهم ‏[‏صلاته‏]‏ وَصَلَّوْا معه أو لم يُدْرِكُوا وَكَذَلِكَ لو ‏(‏ضحك قهقة‏)‏ أو أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا وهو مُنْفَرِدٌ وَإِنْ كان إمَامًا خَلْفَهُ لَاحِقُونَ وَمَسْبُوقُونَ فصلاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بين أَصْحَابِنَا وَصَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ فَاسِدَةٌ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَامَّةٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ لم يفسدان ‏[‏يفسدا‏]‏ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَلَا يُفْسِدَانِ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي وَإِنْ كان مَسْبُوقًا لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي لو فَسَدَتْ إنَّمَا تَفْسُدُ بِإِفْسَادِ الْإِمَامِ صَلَاتَهُ لَا بِإِفْسَادِ الْمُقْتَدِي لِانْعِدَامِ الْمُفْسِدِ من الْمُقْتَدِي فلما لم تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ مع وُجُودِ الْمُفْسِدِ من جِهَتِهِ فَلَأَنْ لَا تَفْسُدَ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي أَوْلَى وَصَارَ كما لو تَكَلَّمَ أو خَرَجَ من الْمَسْجِدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْفَرْقُ بين الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَبَيْنَ الْكَلَامِ وَالْخُرُوجِ من الْمَسْجِدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَثَ الْإِمَامِ إفْسَادٌ لِلْجُزْءِ الذي لَاقَاهُ من صَلَاتِهِ فَيَفْسُدُ ذلك الْجُزْءُ من صَلَاتِهِ وَيَفْسُدُ من صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ لم يَبْقَ عليه فَرْضٌ فَيُقْتَصَرُ الْفَسَادُ في حَقِّهِ على الْجُزْءِ وقد بَقِيَ لِلْمَسْبُوقِ فُرُوضٌ فَتَمْنَعُهُ من الْبِنَاءِ‏.‏

فَأَمَّا الْكَلَامُ فيقطع ‏[‏فقطع‏]‏ الصلاة ‏[‏للصلاة‏]‏ وَمُضَادٌّ لها ‏(‏كما ذَكَرْنَا‏)‏ فَيَمْنَعُ من الْوُجُودِ وَلَا تَفْسُدُ وَشَرْحُ هذا الْكَلَامِ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ الْعَمْدَ لَيْسَا بِمُضَادَّيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ هُمَا مُضَادَّانِ لِلطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الصَّلَاةِ فَصَارَ الْحَدَثُ مُضَادًّا لِلْأَهْلِيَّةِ بِوَاسِطَةِ مُضَادَّتِهِ شَرْطَهَا وَالشَّيْءُ لَا يَنْعَدِمُ بِمَا لَا يُضَادُّهُ فلم تَنْعَدِمْ الصَّلَاةُ بِوُجُودِ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَا مُضَادَّةَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ الْأَهْلِيَّةُ فَيُوجَدُ جُزْءٌ من الصَّلَاةِ لِانْعِدَامِ ما يُضَادُّهُ وَيَفْسُدُ هذا الْجُزْءُ لِحُصُولِهِ مِمَّنْ هو ليس بِأَهْلٍ وَلَا صِحَّةَ لِلْفِعْلِ الصَّادِرِ من غَيْرِ الْأَهْلِ

وإذا فَسَدَ هذا الْجُزْءُ من صَلَاةِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّ صَلَاتَهُ مَبْنِيَّةٌ على صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَتَعَلَّقُ بها صِحَّةً وَفَسَادًا لِأَنَّ الْجُزْءَ لَمَّا فَسَدَ من صَلَاةِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ التَّحْرِيمَةُ الْمُقَارِنَةُ لِهَذَا الْفِعْلِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ الْأَفْعَالِ فَتَتَّصِفُ بِمَا تَتَّصِفُ الْأَفْعَالُ صِحَّةً وَفَسَادًا فإذا فَسَدَتْ هِيَ فَسَدَتْ تَحْرِيمَةُ الْمُقْتَدِي فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَمَنْ تَابَعَهُ من الْمُدْرِكِينَ اتَّصَفَتْ بِالتَّمَامِ بِدُونِ الْجُزْءِ الْفَاسِدِ‏.‏

فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ فَسَدَ جُزْءٌ من صَلَاتِهِ وَفَسَدَتْ التَّحْرِيمَةُ الْمُقَارِنَةُ لِذَلِكَ الْجُزْءِ فَبَعْدَ ذلك لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّحْرِيمَةِ ولم يُوجَدْ فلم يُتَصَوَّرْ حُصُولُ ما بَقِيَ من الْأَرْكَانِ في حَقِّ الْمَسْبُوقِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فإنه ليس بِمُضَادٍّ لِأَهْلِيَّةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بَلْ هو مُضَادٌّ لِلصَّلَاةِ نَفْسِهَا وَوُجُودُ الضِّدِّ لَا يُفْسِدُ الضِّدَّ الْآخَرَ بَلْ يَمْنَعُهُ من الْوُجُودِ فإن أَفْعَالَ الصَّلَاةِ كانت تُوجَدُ على التَّجَدُّدِ وَالتَّكْرَارِ فإذا انْعَدَمَ فِعْلٌ يَعْقُبُهُ غَيْرُهُ من جِنْسِهِ فإذا تَعَقَّبَهُ ما هو مُضَادٌّ لِلصَّلَاةِ لَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ جُزْءٍ منها مُقَارِنًا لِلضِّدِّ بَلْ يَبْقَى على الْعَدَمِ على ما هو الْأَصْلُ عِنْدَنَا في الْمُتَضَادَّاتِ انتهت ‏[‏وانتهت‏]‏ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ فلم تَتَجَدَّدْ التَّحْرِيمَةُ لِأَنَّ تَجَدُّدَهَا كان لِتَجَدُّدِ الْأَفْعَالِ وقد انْتَهَتْ فَانْتَهَتْ هِيَ أَيْضًا وما فَسَدَتْ وَبِانْتِهَاءِ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ لَا تَنْتَهِي تَحْرِيمَةُ الْمَسْبُوقِ كما لو سَلَّمَ فإن تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ مُنْتَهِيَةٌ وَتَحْرِيمَةَ الْمَسْبُوقِ غَيْرُ مُنْتَهِيَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا فلم تَفْسُدْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ بِخِلَافِ ما نَحْنُ فيه وَأَمَّا اللَّاحِقُونَ فإنه يُنْظَرُ إنْ أَدْرَكُوا الْإِمَامَ في صَلَاتِهِ وَصَلَّوْا معه فصلاتُهُمْ تَامَّةٌ وَإِنْ لم يُدْرِكُوا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ في رِوَايَةِ أبي سُلَيْمَانَ تَفْسُدُ وفي رواية‏:‏ أبي حَفْصٍ لَا تَفْسُدُ هذا إذَا كان الْعَارِضُ في هذه الْحَالَةِ فعل ‏[‏فعلى‏]‏ الْمُصلِّي فإذا لم يَكُنْ فِعْلَهُ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ مَاءً بعد ما قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ أو بَعْدَ ما سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَعَادَ إلَى السُّجُودِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَهَذِهِ من الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ وقد ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرْنَا الْحُجَجَ في كتاب الطَّهَارَةِ في فصل التَّيَمُّمِ أُمِّيٌّ صلى بَعْضَ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَعَلَّمَ سُورَةً فَقَرَأَهَا فِيمَا بَقِيَ من صَلَاتِهِ فصلاتُهُ فَاسِدَةٌ مَثَلُ الْأَخْرَسِ يَزُولُ خَرَسُهُ في خِلَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ لو كان قَارِئًا في الِابْتِدَاءِ فصلى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِقِرَاءَةٍ ثُمَّ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فَصَارَ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وقال زُفَرُ لَا تَفْسُدُ في الْوَجْهَيْنِ جميعا وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَفْسُدُ في الْأَوَّلَ وَلَا تَفْسُدُ في الثَّانِي اسْتِحْسَانًا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ في الرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ أَلَا تَرَى أَنَّ القارىء لو تَرَكَ الْقِرَاءَةَ في الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ في الْأُخْرَيَيْنِ أَجْزَأَهُ فإذا كان قَارِئًا في الِابْتِدَاءِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْقِرَاءَةِ في الْأُولَيَيْنِ فَعَجْزُهُ عنها بَعْدَ ذلك لَا يضر ‏[‏يضره‏]‏ كما لو تَرَكَ مع الْقُدْرَةِ‏.‏

وإذا تَعَلَّمَ وَقَرَأَ في الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَضُرُّهُ عَجْزُهُ عنها في الِابْتِدَاءِ كما لَا يضر ‏[‏يضره‏]‏ تَرَكَهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لو اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ في الْأَوَّلِ لَحَصَلَ الْأَدَاءُ على الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَأُمِرَ بِالِاسْتِقْبَالِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا في الثَّانِي لَأَدَّى كُلَّ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَكَانَ الْبِنَاءُ أَوْلَى لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الْبَعْضَ بِقِرَاءَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِشَرْطِ الْعَجْزِ عنها في كل الصَّلَاةِ فإذا قَدَرَ على الْقِرَاءَةِ في بَعْضِهَا فَاتَ الشَّرْطُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَدَّى لم يَقَعْ صَلَاةً وَلِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْأُمِّيِّ لم تَنْعَقِدْ لِلْقِرَاءَةِ بَلْ انْعَقَدَتْ لِأَفْعَالِ صَلَاتِهِ لَا غيرها فإذا قَدَرَ صَارَتْ الْقِرَاءَةُ من أَرْكَانِ صَلَاتِهِ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِلَا تَحْرِيمَةٍ كَأَدَاءِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالصَّلَاةُ لَا تُوجَدُ بِدُونِ أَرْكَانِهَا فَفَسَدَتْ وَلِأَنَّ الْأَسَاسَ الضَّعِيفَ لَا يَحْتَمِلُ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عليه وَالصَّلَاةُ بِقِرَاءَةٍ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهَا على الضَّعِيفِ كَالْعَارِي إذَا وَجَدَ الثَّوْبَ في خِلَالِ صَلَاتِهِ وَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وإذا كان قَارِئًا في الِابْتِدَاءِ فَقَدْ عَقَدَ تَحْرِيمَتَهُ لِأَدَاءِ كل الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ وقد عَجَزَ عن الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ‏.‏

وَلَوْ اقْتَدَى الْأُمِّيُّ بقارىء ‏[‏بقارئ‏]‏ بَعْدَ ما صلى رَكْعَةً فلما فَرَغَ الْإِمَامُ قام الْأُمِّيُّ لِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ فصلاتُهُ فَاسِدَةٌ في الْقِيَاسِ وَقِيلَ هو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وهو قَوْلُهُمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بالقارىء ‏[‏بالقارئ‏]‏ الْتَزَمَ أَدَاءَ هذه الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ وقد عَجَزَ عن ذلك حين قام لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي فَلَا تَكُونُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةً له فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الْقِرَاءَةَ ضِمْنًا لِلِاقْتِدَاءِ وهو مُقْتَدٍ فِيمَا بَقِيَ على الْإِمَامِ لَا فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ وَلِأَنَّهُ لو بَنَى كان مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ كان مُؤَدَّيَا جَمِيعَهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَمِنْهَا انْكِشَافُ لْعَوْرَةِ في خِلَالِ الصَّلَاةِ إذَا كان كَثِيرًا لِأَنَّ اسْتِتَارَهَا للمن شَرَائِطِ الْجَوَازِ فَكَانَ انْكِشَافُهَا في الصَّلَاةِ مُفْسِدًا إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ هذا الشَّرْطِ في الْقَلِيلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِلضَّرُورَةِ كما في قَلِيلِ النَّجَاسَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عنه على ما بينا ‏[‏بيناه‏]‏ فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ إذَا سَقَطَ قِنَاعُهَا في خِلَالِ الصَّلَاةِ فَرَفَعَتْهُ وَغَطَّتْ رَأْسَهَا بِعَمَلٍ قَلِيلٍ قبل أَنْ تُؤَدِّي رُكْنًا من أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أو قبل أَنْ تَمْكُثَ ذلك الْقَدْرَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قد تُبْتَلَى بِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزُ عنه فَأَمَّا إذَا بَقِيَتْ كَذَلِكَ حتى أَدَّتْ رُكْنًا أو مَكَثَتْ ذلك الْقَدْرَ أو غَطَّتْ من سَاعَتِهَا لَكِنْ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا عتقت ‏[‏أعتقت‏]‏ في خِلَالِ صَلَاتِهَا وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ فَأَخَذَتْ قِنَاعَهَا فَهُوَ على ما ذَكَرْنَا في الْحُرَّةِ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ رؤوس هَؤُلَاءِ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ على ما يُعْرَفُ في كتاب الِاسْتِحْسَانِ فإذا أُعْتِقْنَ أَخَذْنَ الْقِنَاعَ لِلْحَالِ لِأَنَّ خِطَابَ السَّتْرِ تَوَجَّهَ لِلْحَالِ إلَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ عليها السَّتْرَ من الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ رَأْسَهَا إنَّمَا صَارَ عَوْرَةً بِالتَّحْرِيرِ وهو مَقْصُورٌ على الْحَالِ فَكَذَا صَيْرُورَةُ الرَّأْسِ عَوْرَةً بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ كِسْوَةً في خِلَالِ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ عَوْرَتَهُ ما صَارَتْ عَوْرَةً لِلْحَالِ بَلْ كانت عِنْدَ الشُّرُوعِ في الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ السَّتْرَ كان قد سَقَطَ لِعُذْرِ الْعَدَمِ فإذا زَالَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوُجُوبَ كان ثَابِتًا من ذلك الْوَقْتِ وَعَلَى هذا إذَا كان الرَّجُلُ يُصَلِّي في إزَارٍ وَاحِدٍ فَسَقَطَ عنه في خِلَالِ الصَّلَاةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وهو جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسِ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ في جَمِيعِ ذلك وهو قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ بِالنَّصِّ وَالِاسْتِتَارُ يَفُوتُ بِالِانْكِشَافِ وَإِنْ قَلَّ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ وَجَعَلْنَا ما لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عنه عَفْوًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَكَذَلِكَ إذَا حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ وهو عُرْيَانُ لَا يَجِدُ ثَوْبًا جَازَتْ صَلَاتُهُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَلَوْ كان معه ثَوْبٌ نَجِسٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ الْجَوَابِ فيه أَنَّهُ إنْ كان رُبُعٌ منه طَاهِرًا لَا يَجُوزُ له أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَلَكِنْ يَجِبُ عليه أَنْ يُصَلِّيَ في ذلك الثَّوْبِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كان كُلُّهُ نَجِسًا فَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فيه بين أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ في كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ في صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ يَشْتَرِكَانِ فيها فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ مُفْسِدَةَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ حتى لو قَامَتْ امْرَأَةٌ خَلْفَ الْإِمَامِ وَنَوَتْ صَلَاتَهُ وقد نَوَى الْإِمَامُ إمَامَةَ النِّسَاءِ ثُمَّ حَاذَتْهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَفْسُدُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْفَسَادَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِخَسَاسَتِهَا أو لِاشْتِغَالِ قَلْبِ الرَّجُلِ وَالْوُقُوعِ في الشَّهْوَةِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ أنجس ‏[‏أخس‏]‏ من الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمُحَاذَاتُهُمَا غَيْرُ مُفْسِدَةٍ وَلِأَنَّ هذا الْمَعْنَى يُوجَدُ في الْمُحَاذَاةِ في صَلَاةٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فيها وَالْمُحَاذَاةُ فيها غَيْرُ مُفْسِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي لِهَذَا أَيْضًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُشَارِكُ الرَّجُلَ في هذا الْمَعْنَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهَا أَيْضًا وَلَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّ الْمُحَاذَاةَ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ فَكَذَا في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال أَخِّرُوهُنَّ من حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا‏.‏

وَالِاسْتِدْلَالُ بالحديث ‏[‏بهذا‏]‏ من وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِالتَّأْخِيرِ صَارَ التَّأْخِيرُ فَرْضًا من فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فَيَصِيرُ بِتَرْكِهِ التَّأْخِيرَ تَارِكًا فَرْضًا من فَرَائِضِهَا فَتَفْسُدُ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّأْخِيرِ أَمْرٌ بِالتَّقَدُّمِ عليها ضَرُورَةً فإذا لم تُؤَخَّرْ ولم يَتَقَدَّمْ فَقَدْ قام مَقَامًا ليس بِمَقَامٍ له فَتَفْسُدُ كما إذَا تَقَدَّمَ على الْإِمَامِ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ في صَلَاةِ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَبَقِيَ غَيْرُهَا على أَصْلِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا لِأَنَّ خِطَابَ التَّأْخِيرِ يَتَنَاوَلُ الرَّجُلَ وَيُمْكِنُهُ تَأْخِيرُهَا من غَيْرِ أَنْ تَتَأَخَّرَ هِيَ بِنَفْسِهَا وَيَتَقَدَّمَ عليها فلم يَكُنْ التَّأْخِيرُ فَرْضًا عليها فَتَرْكُهُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بين مُحَاذَاةِ الْبَالِغَةِ وَبَيْنَ مُحَاذَاةِ الْمُرَاهِقَةِ التي تَعْقِلُ الصَّلَاةَ في حَقِّ فَسَادِ الرَّجُلِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُفْسِدَ مُحَاذَاةُ غَيْرِ الْبَالِغَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهَا تَخَلُّقٌ وَاعْتِيَادٌ لَا حَقِيقَةُ صَلَاةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أنها مَأْمُورَةٌ بِالصَّلَاةِ مَضْرُوبَةٌ عليها كما نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فَجُعِلَتْ الْمُشَارَكَةُ في أَصْلِ الصَّلَاةِ وَالْمُشَارَكَةُ في أَصْلِ الصَّلَاةِ تَكْفِي لِلْفَسَادِ إذَا وُجِدَتْ الْمُحَاذَاةُ وإذا عُرِفَ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ فَنَقُولُ إذَا قَامَتْ في الصَّفِّ امْرَأَةٌ فَسَدَتْ صَلَاةُ رَجُلٍ عن يَمِينِهَا وَرَجُلٍ عن يَسَارِهَا وَرَجُلٍ خَلْفَهَا بِحِذَائِهَا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُحَاذِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا حَائِلِينَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ القوم ‏[‏غيرهم‏]‏ بِمَنْزِلَةِ أُسْطُوَانَةٍ أو كَارَّةٍ من الثِّيَابِ فلم تَتَحَقَّقْ الْمُحَاذَاةُ وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ أو ثَلَاثًا فَالْمَرْوِيُّ عن مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ تُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ من على يَمِينِهِمَا وَمَنْ على يَسَارِهِمَا وَمَنْ خَلْفَهُمَا بِحِذَائِهِمَا وَالثَّلَاثُ مِنْهُنَّ يُفْسِدْنَ صَلَاةَ من على يَمِينِهِنَّ وَمَنْ على يَسَارِهِنَّ وَثَلَاثَةٍ ثلاثة خَلْفَهُنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَعَنْ أبي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ في رِوَايَةٍ قال الثِّنْتَانِ يُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ من على يَمِينِهِمَا وَمَنْ على يَسَارِهِمَا وإثنان من خَلْفِهِمَا بِحِذَائِهِمَا وَالثَّلَاثُ يُفْسِدْنَ صَلَاةَ خَمْسَةِ نَفَرٍ من كان على يَمِينِهِنَّ وَمَنْ كان على شِمَالِهِنَّ وَثَلَاثَةٍ خَلْفَهُنَّ بِحِذَائِهِنَّ وفي رواية‏:‏ الثنتان ‏[‏اثنتان‏]‏ تُفْسِدَانِ صَلَاةَ رَجُلَيْنِ عن يَمِينِهِمَا وَيَسَارِهِمَا وَصَلَاةَ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَالثَّلَاثُ يُفْسِدْنَ صَلَاةَ رَجُلٍ عن يَمِينِهِنَّ وَرَجُلٍ عن يَسَارِهِنَّ وَصَلَاةَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ صَفًّا تَامًّا فَسَدَتْ صَلَاةُ الصُّفُوفِ التي خَلْفَهُنَّ وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ صَفًّا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ ليس لِمَكَانِ الْحَيْلُولَةِ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ إنَّمَا تَقَعُ بِالصَّفِّ التَّامِّ من النِّسَاءِ بِالْحَدِيثِ ولم تُوجَدْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالْمُحَاذَاةِ ولم تُوجَدْ الْمُحَاذَاةُ إلَّا بهذا الْقَدْرِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الثَّلَاثِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ الِاثْنَيْنِ وَيَصْطَفَّانِ خَلْفَهُ كَالثَّلَاثَةِ ثُمَّ حُكْمُ الثَّلَاثَةِ هذا فَكَذَا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ وَجْهُ الْمَرْوِيِّ عن مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ لَا تُحَاذِيَانِ إلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فَلَا تُفْسِدَانِ صَلَاةَ غَيْرِهِمْ وفي الصَّفِّ التَّامِّ الْقِيَاسُ هَكَذَا أَنْ تَفْسُدَ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ خَلْفَهُنَّ لَا غير لِانْعِدَامِ مُحَاذَاتِهِنَّ لِمَنْ وَرَاءَ هذا الصَّفِّ الْوَاحِدِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فَحَكَمْنَا بِفَسَادِ صَلَاةِ الصُّفُوفِ أَجْمَعَ لِحَدِيثِ ابن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ أو طَرِيقٌ أو صَفٌّ من النِّسَاءِ فَلَا صَلَاةَ له جَعَلَ صَفَّ النِّسَاءِ حَائِلًا كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ فَفِي حَقِّ الصَّفِّ الذي يَلِيهِنَّ من خَلْفِهِنَّ وُجِدَ تَرْكُ التَّأْخِيرِ منهم وَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ بِهِنَّ وفي حَقِّ الصُّفُوفِ الْأُخَرِ وُجِدَتْ الْحَيْلُولَةُ لَا غَيْرُ وَكُلُّ وَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ بِانْفِرَادِهِ عِلَّةٌ كَامِلَةٌ لِلْفَسَادِ ثُمَّ الثِّنْتَانِ لَيْسَتَا بِجَمْعٍ حَقِيقَةً فَلَا يُلْحَقَانِ بِالصَّفِّ من النِّسَاءِ التي هِيَ اسْمُ جَمْعٍ فَانْعَدَمَتْ الْحَيْلُولَةُ فَيَتَعَلَّقُ الْفَسَادُ بِالْمُحَاذَاةِ لَا غير وَالْمُحَاذَاةُ لم تُوجَدْ إلَّا بهذا الْقَدْرِ فَأَمَّا الثَّلَاثُ مِنْهُنَّ فَجَمْعٌ حَقِيقَةً فَأُلْحِقْنَ بِصَفٍّ كَامِلٍ في حَقِّ من صِرْنَ حَائِلَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ فَفَسَدَتْ صَلَاةُ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ عن يَمِينِهِنَّ وَوَاحِدٍ عن يَسَارِهِنَّ لِأَنَّ هُنَاكَ الْفَسَادَ بِالْمُحَاذَاةِ لَا بِالْحَيْلُولَةِ ولم تُوجَدْ الْمُحَاذَاةُ إلَّا بهذا الْقَدْرِ وَالله أعلم‏.‏

وَلَوْ وَقَفَتْ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ فَأَتَمَّتْ بِهِ وقد نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ كُلِّهِمْ أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ في صلاة مُطْلَقَةً مُشْتَرَكَةً وَأَمَّا صَلَاةُ الْقَوْمِ فَلِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وكان محمد بن مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ يقول لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ قَارَنَتْ شُرُوعَهَا في الصَّلَاةِ وَلَوْ طَرَأَتْ كانت مُفْسِدَةً فإذا اقْتَرَنَتْ مَنَعَتْ من صِحَّةِ اقْتِدَائِهَا بِهِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ في فَسَادِ صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَلَا تَقَعُ الشَّرِكَةُ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهَا في صَلَاةِ الْإِمَامِ فلم يَكُنْ الْمُفْسِدُ مُقَارِنًا لِلشُّرُوعِ فَلَا يَمْنَعُ من الشُّرُوعِ وَإِنْ كانت بِحِذَاءِ الْإِمَامِ ولم تَأْتَمَّ بِهِ لم تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِانْعِدَامِ الْمُشَارَكَةِ وَكَذَا إذَا قَامَتْ أَمَامَ الْإِمَامِ فَأَتَمَّتْ بِهِ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهَا لم يَصِحَّ فلم تَقَعْ الْمُشَارَكَةُ وَكَذَا إذَا قَامَتْ إلَى جَنْبِهِ وَنَوَتْ فَرْضًا آخَرَ بِأَنْ كان الْإِمَامُ في الظُّهْرِ وَنَوَتْ هِيَ الْعَصْرَ فَأَتَمَّتْ بِهِ ثُمَّ حَاذَتْهُ لم تُفْسِدْ على الْإِمَامِ صَلَاتَهُ وَهَذَا على رِوَايَةِ باب الْحَدَثِ لِأَنَّهَا لم تَصِرْ شَارِعَةً في الصَّلَاةِ أَصْلًا فلم تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ فَأَمَّا على رِوَايَةِ باب الأذان تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا صَارَتْ شَارِعَةً في أَصْلِ الصَّلَاةِ فَوُجِدَتْ الْمُحَاذَاةُ في صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفَسَدَتْ صَلَاتُهَا بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهَا قَضَاءُ التَّطَوُّعِ لِحُصُولِ الْفَسَادِ بَعْدَ صِحَّةِ شُرُوعِهَا كما إذَا كان الْإِمَامُ في الظُّهْرِ وقد نَوَى إمَامَتَهَا فَأَتَمَّتْ بِهِ تَنْوِي التَّطَوُّعَ ثُمَّ قَامَتْ بِجَنْبِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهَا وَعَلَيْهَا قَضَاءُ التَّطَوُّعِ فَكَذَا هذا وقد مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ من قَبْلُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قالوا الْجَوَابُ ما ذُكِرَ في باب الأذان وَتَأْوِيلُ ما ذُكِرَ في باب الْحَدَثِ أَنَّ الرَّجُلَ لم يَنْوِ إمَامَتَهَا في صَلَاةِ الْعَصْرِ فَتُجْعَلُ هِيَ في الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِنِيَّةِ الْعَصْرِ بِمَنْزِلَةِ ما لم يَنْوِ إمَامَتَهَا أَصْلًا فَلِهَذَا لَا تَصِيرُ شَارِعَةً في صَلَاتِهِ تَطَوُّعًا وَلَوْ قام رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ يَقْضِيَانِ ما سَبَقَهُمَا الْإِمَامُ لم تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَا أَدْرَكَا أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَكَانَا نَامَا أو أَحْدَثَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَيْنِ فِيمَا يَقْضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ‏.‏

أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ على الْمَسْبُوقِ وَلَوْ سَهَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فلم يَشْتَرِكَا في صَلَاةٍ فَلَا تَكُونُ الْمُحَاذَاةُ مُفْسِدَةَ صَلَاتِهِ فَأَمَّا الْمُدْرِكَانِ فَهُمَا كَأَنَّهُمَا خَلْفَ الْإِمَامِ بَعْدُ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الْقِرَاءَةِ عنهما وَانْعِدَامِ وُجُوبِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عِنْدَ وُجُودِ السَّهْوِ كَأَنَّهُمَا خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً فَوَقَعَتْ الْمُشَارَكَةُ فَوُجِدَتْ الْمُحَاذَاةُ في صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَتُوجِبُ فَسَادَ صَلَاتِهِ وَمُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ بين يَدَيْ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ‏.‏

وقال أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ يَقْطَعُ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى أبو ذَرٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ وفي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَقِيلَ لِأَبِي ذَرٍّ وما بَالُ الْأَسْوَدِ من غَيْرِهِ فقال أَشْكَلَ عَلَيَّ ما أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ وَلَنَا ما رُوِيَ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وادرؤا ‏[‏وادرءوا‏]‏ ما اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الذي رَوَوْا فَقَدْ رَدَّتْهُ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها فَإِنَّهَا قالت لِعُرْوَةِ يا عُرْوَةُ ما يقول أَهْلُ الْعِرَاقِ قال يَقُولُونَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ فقالت يا أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ بِئْسَمَا قَرَنْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ كان رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وأنا نَائِمَةٌ بين يَدَيْهِ مُعْتَرِضَةٌ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ وقد وَرَدَ في الْمَرْأَةِ نَصٌّ خَاصٌّ وَكَذَا في الْحِمَارِ وَالْكَلْبِ رُوِيَ عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان يُصَلِّي في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَرَادَ ابْنُهَا عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بين يَدَيْهِ فَأَشَارَ عليه أَنْ قِفْ فَوَقَفَ ثُمَّ أَرَادَتْ زَيْنَبُ بِنْتُهَا أَنْ تَمُرَّ بين يَدَيْهِ فَأَشَارَ إلَيْهَا أَنْ قِفِي فلم تَقِفْ فلما فَرَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من صَلَاتِهِ قال إنَّهُنَّ أَغْلَبُ وَرُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال زُرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مع أَخِي الْفَضْلِ على حِمَارٍ في بَادِيَةٍ فَنَزَلْنَا فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فصليْنَا معه وَالْحِمَارُ يَرْتَعُ بين يَدَيْهِ وفي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ يَمُرَّانِ بين يَدَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ الْمَارَّ بِالتَّسْبِيحِ أو بِالْإِشَارَةِ أو أَخَذَ طَرَفَ ثَوْبِهِ من غَيْرِ مَشْيٍ وَلَا عِلَاجٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ فادرؤا ما اسْتَطَعْتُمْ وَقَوْلِهِ إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ في الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ فإن التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ وَذُكِرَ في كتاب الصَّلَاةِ إذَا مَرَّتْ الْجَارِيَةُ بين يَدَيْ الْمُصَلِّي فقال سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَوْمَأَ بيده لِيَصْرِفَهَا لم تُقْطَعْ صَلَاتُهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَ منهم من قال مَعْنَاهُ أَيْ لَا يَجْمَعُ بين التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ لِأَنَّ بإحداهما ‏[‏بإحداها‏]‏ كِفَايَةً وَمِنْهُمْ من قال أَيْ لَا يَفْعَلُ شيئا من ذلك وَتَأْوِيلُ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان في وَقْتٍ كان الْعَمَلُ في الصَّلَاةِ مُبَاحًا وَمِنْهَا الْمَوْتُ في الصَّلَاةِ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ فيها أَمَّا الْمَوْتُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ مُعْجِزٌ عن الْمُضِيِّ فيها وَأَمَّا الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ فَلِأَنَّهُمَا يَنْقُضَانِ الطَّهَارَةَ وَيَمْنَعَانِ الْبِنَاءَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اعْتِرَاضَهُمَا في الصَّلَاةِ نَادِرٌ فَلَا يَلْحَقَانِ بِمَوْرِدِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ في جَوَازِ الْبِنَاءِ وهو الْحَدَثُ السَّابِقُ وَسَوَاءٌ كان مُنْفَرِدًا أو مُقْتَدِيًا أو إمَامًا حتى يَسْتَقْبِلَ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقُومُ الْقَوْمُ فَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا كما إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَمِنْهَا الْعَمَلُ الْكَثِيرُ الذي ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ في الصَّلَاةِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَمَّا الْقَلِيلُ فَغَيْرُ مُفْسِدِ وَاخْتُلِفَ في الْحَدِّ الْفَاصِلِ بين الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قال بَعْضُهُمْ الْكَثِيرُ ما يُحْتَاجُ فيه إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ وَالْقَلِيلُ ما لَا يُحْتَاجُ فيه إلَى ذلك حتى قالوا إذَا زَرَّ قَمِيصَهُ في الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وإذا حَلَّ أزراره ‏[‏إزاره‏]‏ لَا تَفْسُدُ‏.‏

وقال بَعْضُهُمْ كُلُّ عَمَلٍ لو نَظَرَ النَّاظِرُ إلَيْهِ من بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ وَكُلُّ عَمَلٍ لو نَظَرَ إلَيْهِ نَاظِرٌ رُبَّمَا يشتبه ‏[‏يشبه‏]‏ عليه أَنَّهُ في الصَّلَاةِ فَهُوَ قَلِيلٌ وهو الْأَصَحُّ وَعَلَى هذا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ ما إذَا قَاتَلَ في صَلَاتِهِ في غَيْرِ حَالَةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَا إذَا أَخَذَ قَوْسًا وَرَمَى بها فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْقَوْسِ وَتَثْقِيفَ السَّهْمِ عليه وَمَدِّهِ حتى يرمى عَمَلٌ كَثِيرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ فيه إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ وَكَذَا النَّاظِرُ إلَيْهِ من بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ عَابُوا على مُحَمَّدٍ في هذا اللَّفْظِ وهو قَوْلُهُ وَرَمَى بها فَقَالُوا الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ إلْقَاؤُهَا من يَدِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ في الرَّمْي بِالسَّهْمِ رَمَى عنها لَا رَمَى بها وَالْجَوَابُ عن هذا أَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ تَعْلِيمُ الْعَامَّةِ وقد وَجَدَ هذا اللَّفْظَ مَعْرُوفًا في لِسَانِهِمْ فَاسْتَعْمَلَهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى فَهْمِهِمْ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ والله أعلم‏.‏

وَكَذَا لو ادَّهَنَ أو سَرَّحَ رَأْسَهُ أو حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَأَرْضَعَتْهُ لِوُجُودِ حَدِّ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ على لْعِبَارَتَيْنِ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي في بَيْتِهِ وقد حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أبي الْعَاصِ على عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وإذا قام رَفَعَهَا ثُمَّ هذا الصَّنِيعُ لم يُكْرَهْ منه لِأَنَّهُ كان مُحْتَاجًا إلَى ذلك لِعَدَمِ من يَحْفَظُهَا أو لِبَيَانِهِ الشَّرْعَ بِالْفِعْلِ أن هذا غَيْرُ مُوجِبٍ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هذا في زَمَانِنَا أَيْضًا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لو فَعَلَ ذلك عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَمَكْرُوهٌ وَلَوْ صلى وفي فيه شَيْءٌ يُمْسِكُهُ إنْ كان لَا يَمْنَعُهُ من الْقِرَاءَةِ وَلَكِنْ يُخِلُّ بها كَدِرْهَمٍ أو دِينَارٍ أو لُؤْلُؤَةٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ شَيْءٌ من الرُّكْنِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْإِخْلَالَ بِالرُّكْنِ حتى لو كان لَا يُخِلُّ بِهِ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ كان يَمْنَعُهُ من الْقِرَاءَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الرُّكْنُ وَإِنْ كان في فيه سُكَّرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ أَكْلٌ وَكَذَلِكَ إنْ كان في كَفِّهِ مَتَاعٌ يُمْسِكُهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ غير أَنَّهُ إنْ كان يَمْنَعُهُ عن الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ في الرُّكُوعِ والاعتماد على الرَّاحَتَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ يُكْرَهُ لِمَنْعِهِ عن تَحْصِيلِ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَوْ أَكَلَ أو شَرِبَ في الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَسَوَاءٌ كان عَامِدًا أو سَاهِيًا فَرْقٌ بين الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ كان الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ في الصَّوْمِ نَاسِيًا غير مُفْسِدٍ إيَّاهُ‏.‏

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُفصل في باب الصَّوْمِ بين الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ أَيْضًا لِوُجُودِ ضِدِّ الصَّوْمِ في الْحَالَيْنِ وهو تَرْكُ الْكَفِّ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا ذلك بِالنَّصِّ وَالصَّلَاةُ لَيْسَتْ في مَعْنَاهُ لِأَنَّ الصَّائِمَ كَثِيرًا ما يُبْتَلَى بِهِ في حَالَةِ الصَّوْمِ فَلَوْ حَكَمْنَا بِالْفَسَادِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ في الصَّلَاةِ سَاهِيًا نَادِرٌ غَايَةَ النُّدْرَةِ فلم يَكُنْ في مَعْنَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَيُعْمَلُ فيها بِالْقِيَاسِ الْمَحْضِ وهو أَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو نَظَرَ النَّاظِرُ إلَيْهِ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ في الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ من بَعْدُ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ من التَّحْدِيدِ هو الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الصَّلَاةِ من غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدِ رَأْسًا فَضْلًا عن اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ وَلَوْ بَقِيَ بين أَسْنَانِهِ شَيْءٌ فَابْتَلَعَهُ إنْ كان دُونَ الْحِمَّصَةِ لم يَضُرَّهُ لِأَنَّ ذلك الْقَدْرَ في حُكْمِ التَّبَعِ لِرِيقِهِ لِقِلَّتِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عنه لِأَنَّهُ يَبْقَى بين الْأَسْنَانِ عَادَةً فَلَوْ جُعِلَ مُفْسِدًا لَوَقَعَ الناس في الْحَرَجِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِهِ وَإِنْ كان قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَلَسَ أَقَلَّ من ملىء ‏[‏ملء‏]‏ فيه ثُمَّ رَجَعَ فَدَخَلَ جَوْفَهُ وهو لَا يَمْلِكُهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذلك بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ وَلِهَذَا لَا يَنْقُضُ وضوؤه وَكَذَا الْمُتَهَجِّدُ بِاللَّيْلِ قد يُبْتَلَى بِهِ خُصُوصًا في لَيَالِي رَمَضَانَ عِنْدَ امْتِلَاءِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْفِطْرِ فَلَوْ جُعِلَ مُفْسِدًا لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَقَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ في الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ وَلَوْ كُنْتُمْ في الصَّلَاةِ» وَرُوِيَ أَنْ عَقْرَبًا لَدَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الصَّلَاةِ فَوَضَعَ عليه نَعْلَهُ وَغَمَزَهُ حتى قَتَلَهُ فلما فَرَغَ من صَلَاتِهِ قال لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ لَا تُبَالِي نَبِيًّا وَلَا غَيْرَهُ أو قال مُصَلِّيًا وَلَا غَيْرَهُ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ ما كان لِيَفْعَلَ الْمَكْرُوهَ خُصُوصًا في الصَّلَاةِ لأنه ‏[‏ولأنه‏]‏ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِدَفْعِ الْأَذَى فَكَانَ مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ هذا إذَا أَمْكَنَهُ قَتْلُ الْحَيَّةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ كما فَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْعَقْرَبِ وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى مُعَالَجَةٍ وَضَرَبَاتٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كما إذَا قَاتَلَ في صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ‏.‏

وَذَكَرَ الشيخ ‏[‏شيخ‏]‏ الإمام ‏[‏الإسلام‏]‏ الزاهد السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ هذا عَمَلٌ رُخِّصَ فيه لِلْمُصَلِّي فَأَشْبَهَ الْمَشْيَ بَعْدَ الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءَ من الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤَ هذا الذي ذَكَرْنَا من الْعَمَلِ الْكَثِيرِ الذي ليس من أَعْمَالِ الصَّلَاةِ إذَا عَمِلَهَا الْمُصَلِّي في الصَّلَاةِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَمَّا في حَالَةِ الضَّرُورَةِ فإنه لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كما في حَالَةِ الْخَوْفِ وَالله أعلم‏.‏

فصل في صَلَاةِ الْخَوْفِ

وأما ‏[‏والكلام‏]‏ الكلام في صَلَاةِ الْخَوْفِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ شَرْعِيَّتِهَا بَعْدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وفي بَيَانِ قَدْرِهَا وفي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهَا وفي بَيَانِ رائط ‏[‏شرائط‏]‏ جَوَازِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فصلاةُ الْخَوْفِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وقال الْحَسَنُ بن زِيَادٍ لَا تَجُوزُ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْآخَرُ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لهم الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ منهم مَعَكَ‏}‏ الْآيَةَ جَوَّزَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِشَرْطِ كَوْنِ الرَّسُولِ فِيهِمْ فإذا خَرَجَ من الدُّنْيَا انْعَدَمَتْ الشَّرْطِيَّةُ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ حَالَ حَيَاتِهِ ثَبَتَ مع الْمُنَافِي لِمَا فيها من أَعْمَالٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَتْ من الصَّلَاةِ وَهِيَ الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ وَلَا بَقَاءَ لِلشَّيْءِ مع ما يُنَافِيهِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْمُنَافِي َالَ حَيَاةِ النبي صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةِ الناس إلَى اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْعَدِمٌ في زَمَانِنَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمُنَافِي فَيُصَلِّي كُلُّ طَائِفَةٍ بِإِمَامٍ على حِدَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على جَوَازِهَا فإنه رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ صلى صَلَاةَ الْخَوْفِ وَرُوِيَ عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ صلى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِأَصْبَهَانَ وَسَعِيدُ بن الْعَاصِ كان يُحَارَبُ الْمَجُوسَ بِطَبَرِسْتَانَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ من الصَّحَابَةِ منهم الْحَسَنُ وَحُذَيْفَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فقال أَيُّكُمْ شَهِدَ صَلَاةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال حُذَيْفَةُ أنا فَقَامَ وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ على نَحْوِ ما يقول ‏[‏يقوله‏]‏ فَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ على الْجَوَازِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ ما ذَكَرَا من الْمَعْنَى غَيْرُ سَدِيدٍ لِخُرُوجِهِ عن مُعَارَضَةِ الْإِجْمَاعِ مع أَنَّ ذلك تَرْكُ الْوَاجِبِ وهو تَرْكُ الْمَشْيِ في الصَّلَاةِ لِإِحْرَازِ الْفَضِيلَةِ وَذَا لَا يَجُوزُ على أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى اسْتِدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ قَائِمَةٌ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ يَحْتَاجُونَ إلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ أَفْضَلِهِمْ وَإِلَى إحْرَازِ فَضِيلَةِ تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ في الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ عَامًا في الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا إلَّا إذَا قام دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَإِحْرَازُ الْفَضِيلَةِ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فيها أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ الرَّسُولُ فِيهِمْ لَا تَجُوزُ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِالسُّكُوتِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ‏.‏

فصل مِقْدَارِ صلاة الخوف

وَأَمَّا مِقْدَارُهَا فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ أو كانت الصَّلَاةُ من ذَوَاتِ رَكْعَتَيْنِ كَالْفَجْرِ وَإِنْ كَانُوا مُقِيمِينَ وَالصَّلَاةُ من ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أو الثَّلَاثِ صلى بِهِمْ أَرْبَعًا أو ثَلَاثًا وَلَا يَنْتَقِضُ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عِنْدَنَا وهو قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وكان ابن عَبَّاسٍ يقول صَلَاةُ الْمُقِيمِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ واحتجوا ‏[‏واحتج‏]‏ بِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاةَ الْخَوْفِ في غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَكَانَتْ له رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ وَلَنَا ما رَوَى ابن مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ صَلَاةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على نَحْوِ ما قُلْنَا وَهَكَذَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ إجْمَاعًا منهم وما نُقِلَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَأْوِيلُهُ أنها رَكْعَةٌ مع الْإِمَامِ وَعِنْدَنَا يُصَلِّي الْإِمَامُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً وَاحِدَةً إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ وهو تَأْوِيلُ الحديث‏.‏